ومضات - ذ. إدريس كروج
الحلقة الأولى : رفاقي
هناك بقبيلتي بني يازغة بالمنزل بزنقة لعسارة و بدكان "عمي كابو" الذي اكتريته منه "بميا دالريال" (5 دراهم ) للشهر و اتخذته سكنا لي وأنا تلميذ بالسنة الأولى من السلك الأول من التعليم الثانوي بثانوية المنزل (ثانوية إبن الياسمين الإعدادية حاليا)، كان لي رفاق لا يفارقونني : حصير من الحلفة و بطانية من صوف الغنم و مخدة مملوءة بقش الذرة و براد من رصاص يتقلص طوله و تتشقق جنباته من شدة الحرارة و كثرة "التشحير" و كأسين و صحن أبيض اللون تتخلله نقط سوداء أحدثتها ارتطاماته بالأرض و طنجرة من الألمنيوم إسود قعرها من حريق الطبيخ و طاولة خشبية مستديرة ثلاثية القوائم و قزمية الطول تؤلم العمود الففري بالتقوس المستمر و "لانبا" (مصباح بترولي) غالبا ما كانت تحرق شعري من شدة الإنحناء لرؤية الحروف أثناء إنجاز الفروض و قراءة الكتب، و كم من مرة كسرت زجاجتها أثناء تنظيفها من اليحموم، و جحافل الفئران التي كانت تزورني طوال الليالي متساقطة على بطانيتي من بين فجوات قصب السقف باحثة على خبزي قبل أن تعود بخفي حنين إلى غرفة فوق بيتي مملوءة بالتبن المعد للعلف، إلا ما وقع منها بمصيدة اشتريتها لهذا الغرض رغم أنها لا تفي بالطلوب أمام قطيع الجردان.
المهم أنها كانت السبب في ارتباط صداقتي بقطط الدرب التي كانت تنتظر قدومي لأطعمها بما جادت به المصيدة.
لكن رفيقي المميز على كل الرفاق ربما حتى على دفاتري و كتبي "السبيريتو" فهذا الرفيق له ثلاثة قوائم كطاولتي إلا أنها من حديد وبطن نحاسي لا يشبع من النفس و "الكَاز" و أغرب ما فيه رأسه، لأنه لا يشعر بالنشاط و لا يخرج لسانه الأزرق ليتحفني بنغم كخرير الماء إلا إذا سخن بحرارة الكحول (لانكول) و إذا لم أًسقه خمرته لينشط تقيأ في البيت اللهب و اليحموم و نتونة ما في بطنه و يسعى إلى الإنتحار بالإحتراق لأنه مدمن.
و كم من مرة فقد أرجله بحرارة اللهب فلحٌَمتها عند اللحام و كم من مرة أصيب بالإختناق فأنقذه بإدخال الشوكة في حلقه و يتنفس مارجا من النار بعد تسخين الراس بخمرته المشتعلة.
رافقني رفاقي كلهم ثلاث سنوات و خنتهم بدخولي سجن الداخلية بصفرو و لم ترافقني إلا البطانية.
تذكرت "السبيربتو ديالي" و أنا بالمطبخ أشاهد زوجتي تنظف رؤوسا كرأسه لكنها تخالف حجمه و عادته السيئة لأنه كان سكيرا.
تعليقات
إرسال تعليق