إذا مر عَلِي الهروي (البقر) بأزقة الدوار فرت الكلاب والقطط خوفا من حجارته وركلاته، وإذا رآه حماره نهق شاكيا من ألم رقبته وكتفيه من وخز شوك الصبار الذي يعذبه به وهو راكب عليه للإسراع في المشي فوق طاقته. وإذا حضر مجمعا فلا أحد يخالفه القول ومن حاول فعليه بشراء الدواء الأحمر واقتحام أبواب المحاكم، ولهذا كان سكان الدوار يهابونه ويتَّقون شره لأنهم يكرهون الدعاوى بين أبناء الدوار والوقوف أمام القضاة. وما دام أنه لا يستحيي، استغل خصالهم هذه ليفرض هيبته وغلظته وجبروته فكان رأيه هو الصائب حتى أصبح قاموسا للمغالطات وتناقضات الواقع، فصار جبَّارَ الدوار.
علي الهروي يجهل الحب والحنان وباب المسجد الذي يجاوره والقبلة لا يعرفها إلا بطلوع الشمس وعبادته لخصها في الصيام وارتاح.
علي الهروي لا أحد في الدوار يقبل مصاهرته خوفا على بنته من بطشه، وبعد فشله قرر أن يجرب حظه بالدواوير البعيدة التي تجهل تصرفاته، وفعلا وجد ضالته وتزوج بخْديجة وهو متشبع بفكرة "انهار لول كيموت القط" وفي اليوم الأول من زواجهما أيقظها قبل الفجر بساعة وأمرها بإعداد الفطور وتسخين الماء ليغسل وجهه وفعلا لبت الطلب ضانة أنه يصلي الفجر، لكنه عاد لينام ولم تعر للأمر أي اهتمام وشرعت في تنظيف البيت في انتظار صحوته. وعندما فاق انهال عليها بالسب وحاول صفعها لأنها لم توقظه من النوم قبل طلوع الشمس.
أكل علي الهروي الفطور وأخذ معه ما تبقى وانصرف وصار يعامل زوجته على هذا المنوال وهي تغض الطرف وتتجلد لعل العشرة تدوم ويشعر باهتمامها به ويغير سلوكه.
وفي أحد الأيام زار شاب لأول مرة الدوار رفقة أبيه ليتعرف على أقاربه، وعندما كان جالسا بالدْراز (دكان ومقهى) دخل علي الهروي وانطلق كعادته يستصغر الحاضرين ثم سأل: شكون هاد البرهوش؟
لم يجبه أحد فوجه له السؤال مباشرة: ولد من انتينا أوجه لبنيتا؟
فلم يعر الشاب لكلامه أي اهتمام أو ربما لم يفهم قصده.
ثم سأله: قوللي أراس لُكْبَالة غير ولداتك يَماك ما ازغرتوش اعليك لعيالات؟
ثم سأل الشاب ابن عمه الذي كان جالسا معه: ماذا يقصد هذا الشخص؟
فرد عليه موضحا أنه في الدوار إذا وضعت المرأة ذكرا زغردت النساء وإذا وضعت أنثى لا يزغردن.
وهنا تعصب الشاب واحمرت وجنتيه وقال له: آش كتقول آ لحمار؟
وما كاد علي الهروي يكمل وقفته حتى خرجت عمامته البيضاء وبلغته من باب الدكان ثم جسمه بوجه ملطخ بالدماء وعورة مكشوفة وهو فاقد للوعي، ولم يكن من الحاضرين الذين اندهشوا من قوة هذا الشاب وخفته إلا أن حملوه إلى منزله في تلك الحالة وحكوا القصة لزوجته، وعندما استعاد وعيه قال لها: "طيحني لحمار ولد لحرام" وخرجت من البيت لتضحك كما تشاء.
منذ ذلك اليوم غاب علي الهروي على الدكان والتجمعات ويخرج من الدوار باكرا ويعود ليلا لأنه فقد هيبته واكتشف السكان ضعفه وأصبح يخاف حتى من قطط الجيران، لكنه ضاعف طغيانه على زوجته وزاد في تعنيفها صباح مساء.
وفي صباح أحد الأيام ضربها ضربا مبرحا وحاول أن يلقي بها خارج البيت وخرج لحرث فدانه.
غابت الشمس وعاد علي الهروي إلى داره، وعند دخوله لم يشم رائحة الملوي ولا المطلوع ولا لقرايس ولا بوشيار ولا أي نوع من العجائن التي رفض بعض المغاربة إدراج اسمائها بالمقرر الدراسي ثم لم ير "لامبا"(المصباح) مشتعلة ولا زالت زجاجتها سوداء بيحموم الغاز المحترق، وصار ينادي: "آ فاين راك أبنت لحرام؟". لم يجبه إلا صدى البيت الفارغ، وبعد البحث تأكد أنها هربت، فما كان عليه إلا انتظار الصباح وهو يردد زجل الشيخ:
"هادي دايتك يا راسي
دي كتدرلي لمعاصي
والفا دي يقُولا تمشي
بالنار دايتي نكويه "
دي كتدرلي لمعاصي
والفا دي يقُولا تمشي
بالنار دايتي نكويه "
في الصباح الباكر سافر علي الهروي إلى دوار صهره لإرجاع زوجته كرها إلى بيت الزوجية، ولما وصل طرق الباب بقوة وخرج صهره، وقبل السلام قال له: "فاين ديك الكلبة؟ قُولاَّ تخرج وللاَّ نلقي اشرع إدَّايْ".
ولم ينه كلامه حتى التحق بهما رجل يلبس زيا ما كاد يراه علي الهروي حتى أصيب بالهلع وارتعدت فرائصه وارتفعت دقات قلبه وخاصة عندما لاحظ أنه ينظر إليه باحتقار وسأله: ماذا تريد؟
فأجابه علي الهروي بكلام مبعثر يخرج من بين شفتين مرتجفتين وفم جاف: "جيت نرغب لالَّة اخديجة عَلاّ وعسى تمشي معايا للدار"، فأجابه بنبرات حادة: خْديجة سترفع دعوى ضدك ولها شهادة طبية تحدد عجزها في 30 يوما.
فقال: آ ودي قُوللاّ غير تخرج باش انطلب مَنا السماحة، فأجابه: لقد ذهبت إلى أخيها المحامي للقيام بالإجراءات، وإذا لم تُرِد الدخول إلى السجن فعجل بالطلاق، فقال وهو يكاد يخر: آيْحَى اعلِيا عَنْدَى خاها محامي أو خاها جدارمي غدا انطَلق، ويلا أرجعت لعندكم قطعولي على رَجلاي تِيبِّي (البقولة).
فطلقها ومنذ ذلك الوقت وهو يردد في كل مجمع أو وحده وخاصة إذا رأى وجهه في المرآة:
" كايلقيلي راسي شي لقيات ما يلقيهاشي لعدو لعدوه". و لا زال يرددها حتى قالوا جٌنَّ علي الهروي.
هجر علي الهروي الدوار وارتاحت الدار من وجوده وانبطحت جدرانها وسقفها على الأرض وكل من مر ورأى أطلالها قال:
هاد الخربا دي علي الهروي من انهار هرسلو واحد الولد الدرقوش(الفم) ديالو او طيحلو السنادر (الاسنان) ديالو او نفخلو التشمامخ (العيون) ديالو أُو لقنانط (الانف) ديالو أُو الشنافر(الشفاه) دي باباه القرّان بلقرّان مابان.
شوري اهبال أو امشي يطوطح (يدور تائها) فلقبايل، هاداك السربوت (الفرس) هنٌَى منو الدوار ابديك الزدحا دي اعطى لْباباه وأو رجعو بْحال أَصِيطوط (حصير قديم لم يبق فيه إلا حبال الدوم وقليل من الحلفاء).
تعليقات
إرسال تعليق