السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إخوتي وأحبابي اليازغيين : على ضوء قصيدة الأخ عمر الكرمي وقضية البر بالوالدين والتي باتت موضوع الساعة والأخبار المؤلمة عن العقوق من هنا وهناك، أود اليوم أن أقدّم هذه القصيدة في رثاء أبي رحمة الله عليه، أهديها إلى روح كل أب متوفى أو أمٍّ توفيت، وإلى ضمير كل من فقد أمّه أو أباه، لأن البر بالوالدين لا ينتهي بموتهم بل يبقى حتى من بعدهم وذالك بالدعاء والترحم عليهم، وأود أن أنبه كل من له والِدَيْنِ أحياء أحدهما أو كليهما أن يبرّهُمَا حتى ينال رضى الله ورضاهما والله المستعان وهو على ما نقول شهيد.
إلى أبي الغادي
مَاذَا لَقِـيتُ مِنَ الدّنْـَيا لإسْعـَادِي
سَيْفُ الرَّدَى شَاحِذًا أوْدَى أبِي الغَادِي
لَا لَوْعَتِي مِنْ فِراقٍ أبْرَدَتْ قَلْـبِي
مِنْ جَمْرَةٍ اسْتَقَرّتْ فَوْقَ أكْبَادِي
وَالْعَقْلُ أبْدَى شَغُولًا يَنْزَوِي عَنِّـي
حَيْرَانَ لَمْ يَسْتَطِعْ لِلرُّشْدِ إرْشَادِي
شَيْخًا تَوَخّى حَمَـامُ المَوْتِ مِنْ قَوْمِي
كَانَ لَنَا مَرْجِعًا فِي كُلِّ أشْـــدَادِ
لَذّ الثِّمَارِ جَنَاهَـا مِنْ رُقَى غُصْنٍ
لِلّهِ كَيْفَ اجْتَنَى عَلْيًا بِأعْوَادِي
يَا مَوْتُ لَا قَدْ رَحِمْتَ مِنْ بُكَى طِفْـلٍ
وَلَا قَبِلْتَ بَدِيلَهُ مِنَ الْفَــــادِي
تَالله مَا حَمَلَتْ مِثْلَهُ أرْحَامٌ
فِي أهْلِي خَيْرَ أسْلَافٍ وَأحْفَادِ
لِي طَالِبًا رُؤيَتي زُرْتُهُ فِي وَهْنٍ
مُعَجِّلًا رِحْلَتِي رَمْيًا لِأحْقَادِي
شَدَدْتُ أزْرِي بِمَا عُوفِيتُ مِنْ أهْلِي
إذْ أنْكَرونِي لِجَابًا دُونَ إعْدَادِي
رَكِبْتُ لَيْلِي وَظُلْمَتِي جَوَى صَدْرِي
مُلَازِمًا أحْزُنِي وَالدّمْعُ إجْهَـــادِي
لَا آمِلًا غَيْرَ نَظْرَةٍ بِلَا بَعْدٍ
كَأنّنِي وَاثِقٌ مِنْ قَدَرٍ جَادِ
يَا نَفْسُ لَا تَحْزَنِي قُلْتُ مُعَزِّيًـا
حِينَ رَأيْتُهُ دَامِعًا بِأوْسَادِ
فَهَزّ طَرْفَهُ مُرْهَقًا إلَى وَجْهِي
أنَاصِحًا أمْ مُوَدِّعــًـــا لِأوْلادِ
ثُمّ خَرَجْنَــــــــا لِإحْضَارِ مُدَاوِيّا
مِنْ مَرَضٍ قَدْ حَسِبْنَاهُ حُمًى عَـادِي
لَمّا رَجَعْنَا لَقَانَا شَاحِبَ اللّوْنِ
قَدْ دَقَّ نَاقُوسُ رِحْلَةٍ لِألْحادِ
لَا شَهَقَاتٌ تَهُزّهُ وَلَا نَفَـسٌ
بَلْ سَاكِنًا دُونَ رُوحٍ غَيْرَ أجْسَـادِ
كُلّ امْرِئٍ ذَائِقٌ مَوْتًا وَإنْ طَالَـتْ
أيّامُهُ ازْدَادَ قُرْبًا وَقْتَ مِيعَادِ
لَطَالَمَا كَانَ خَيْرَ زَاهِدٍ فِيهَا
وَقَانِعٍ بِنَصِيبٍ غَيْرَ مِزْيَـادِ
وَالصّدْقُ وَالْجِدّ فِيهِ انْبَجَسَتْ تَجْرِي
نَبْعًا سَقَى رَوْضَةً حُفّتْ بِـــأوْرَادِ
شَرِبْتُ مِنْهُ صُبَابَةً رَوَتْ حَقْـلِي
وَأنْبَتَتْ فِي بُذُورِي فَضْلَ أجْـَدادِي
أدْعُو لَهُ اللهَ فِي صَوْمِي بِرَاحَاتٍ
وَفِي صَلاتِي غَفُورًا ذَنْبَ أعْبَادِ
سِرْ يَا نَسِيمُ وَأبْلِغْ دَعْوَةً مِنِّــي
قَبْرَ رُفَاتٍ بِطِيبِ الرُّحْمِ لِلْهَادِي
سِرْ يَا نَسِيمُ الصّبَاحِ وَاجْدُ كُـلّ أبٍ
مِنّــا دُعَاءً وَوُدّاً دَارَ إخْلادِ
فِي هَذِهِ الدّارِ صَاحِبْهُمْ بِمَعْـرُوفٍ
وَاخْفِضْ جَنَاحَيْكَ مِنْ ذُلٍّ لِإِمْجَادِ
وَلَا تَقٌلْ لَهُمَا أفٍّ وَلَا تَنْهَـرْ
نِلْتَ الرِّضَا فِي ظِلَالِ العَرْشِ ميَّادِ
إنْ أنْتَ شُوكًا زَرَعْتَ اسْتَنْبَتَتْ حَقّاً
أشْوَاكُ فِي صُلْبِكَ انْدُقّتْ كَأوْتَادِ