بني يازغة - نجيب اتريد اليازغي
لقد عرف تراث الحيدوس اليازغي حقبة ذهبية قبل وإبان عهد الاستعمار الفرنسي للمغرب، ثم امتد ذلك إلى فترة الاستقلال وما بعدها حتى حدود مطلع الثمانينيات لتأتي الكارثة ويصاب بالسكتة القلبية. وخلال تلك الفترة كان الحيدوس يمارس في كل المناسبات المحلية من أفراح ومواسم وما شابهها. كان معظم الناس يحفظون قطع الشعراء أو "الأشياخ" عن ظهر قلب، كما كان هؤلاء الأشياخ يحظون باحترام وتقدير كل الناس إلى درجة أنهم أصبحوا يتبوؤون مكانة اجتماعية مهمة بحيث لاتكاد تخلو أحاديثهم (الناس) من الاستدلال ببيت أو أكثر لإقناع الطرف الآخر في الحوار. أما إذا نظرنا إلى أسباب عزوف الناس عن هذا التراث، نجدها ترجع بالتأكيد إلى أسباب اجتماعية واقتصادية وفنية؛ وبصفتي فنانا سأكتفي بالتطرق لهذا الجانب الأخير لأنني قمت بتسجيل بعض الملاحظات كما أنني حاولت طرح بعض الحلول حتى تعم الفائدة كلا من الممارسين والمهتمين على السواء.
في الآونة الأخيرة بدأ الحنين لهذا التراث يلدغ برفق عددا كبيرا من أبناء المنطقة، وخصوصا الأجيال التي عاصرته من مثقفين وممارسين ومحبين. لقد بدأت بعض الأطراف مشكورة تبذل الكثير من الجهود لأجل إحيائه وتقريبه من الشباب. إلا أن هذا الأخير يجد نفسه في وضع تتجاذبه فيه الرغبة والنفور من هذا التراث الرائع طبعا. فكلما أحس الشاب بالرغبة والحماس للمتابعة والفرجة، يصاب بالصدمة خلال المرحلة الأولى من العرض. فينتابه الملل ويشعر بالنفور، ثم ما يلبث أن يغادر دون الحصول على المتعة المتوخاة.
ومن أجل إحياء هذا التراث والنهوض به ليصير في مصاف تراث باقي المناطق المغربية الأخرى، ويخرج من المحلية إلى الوطنية وربما إلى العالمية، وجب تجديده وتطويره وإدخال بعض التحسينات عليه تجعله قادرا على مسايرة العصر ومحببا للأجيال الصاعدة.
ومن هذا المنطلق بالذات وقبل أن أتحدث عن الشق الشعري، سأتطرق للجانب الاستعراضي والذي تعتبر فيه الرقصة شيئا ضروريا ومهما. يجب تطوير هذه الرقصة وإخراجها من حيز الإعجاب إلى حيز الإبهار، وهذا يتطلب التفكير في وضع تصميم جيد ومحكم يلعب فيه الممارس دور البطولة.
قبل كل شيء، وعند مرحلة التأسيس، يجب أن تؤسس الفرقة على أرضية الاحتراف بحيث يحس الممارس على أن وقته لا يضيع بتعاطيه لعمل كهذا، وبأنه سيتقاضى تعويضا على جهده. هذا من جهة، أما من أخرى فلا يحق لأي فرد خارج عن الفرقة أن يلتحق بالصفوف إلا إذا توفرت فيه الشروط الكافية لذلك من كفاءة وقابلية للتطور. فالمسألة لم تعد كما كانت عليه في السابق حيث كان الجميع يشارك على شاكلة "التويزة" لمجرد أنه ابن المدشر، أو لديه الرغبة في ذلك. فإذا أراد أحدهم أن يشارك من أجل المتعة، فعليه أن يحصل عليها عن طريق الحضور والمشاهدة فقط، لا عن طريق الممارسة.
وقبل الشروع في عملية التغيير والتطوير، يجب أن ننطلق من أمرين اثنين ونعتبرهما دعامتان أساسيتان لا نحيد عنهما مهما كان: الدعامة الأولى وهي توحيد الزي التقليدي للفرقة وذلك يشتمل على الجلباب، "الرزة" الشكارة والخنجر. أما المسلمة أو الدعامة الثانية فهي ضبط قواعد الرقصة وطريقة استعراضها على الطريقة القديمة أو بمعنى آخر كما كانت تمارس من قبل. وعندما نحس بأننا قد تمكنا من هاتين الدعامتين، نشرع في إدخال التحسينات كأن نقسم الصفين المتقابلين إلى أربع فرق صغيرة ونحاول أن نرسم لوحة فنية جميلة بهاته الفرق الأربعة. هناك عدة تصورات، فعوض أن تبقى الرقصة من بداية العرض إلى نهايته على نمط واحد، يمكن لهذه الفرق الصغيرة أن تتحرك وتتداخل فيما بينها في حركات رشيقة، منسجمة ومتسقة مع عازفي الإيقاع على خشبة المسرح. ويمكن كذلك في البداية أن ترسم دائرة كبيرة يتوسطها عازفو الإيقاع، ثم بعد ذلك تقسم الدائرة إلى دائرتين أو أكثر يأخذ فيها ضابطو الإيقاع نقطا استراتيجية ثم يتحركون على إثرها في اتجاهات أخرى. وفي بعض الأحيان يمكن لكل أفراد الفرقة أن يأخذوا آلة الإيقاع ويعزفوا جماعة. وأجمل ما في رقصة الحيدوس وما يلفت النظر فعلا هي مايسميها الممارسون "التهريسة" حيث يبرز أحد الراقصين المتموضع عادة بوسط الصف ويقوم بحركات أقرب إلى البهلوانية في انسجام وإتقان كبيرين وذلك من أجل إعلام الراقصين على فك اشتباك الأيدي فتختم الحركات بصرخة جميلة تصدح بها كل حناجر أعضاء الفرقة. ولأن "التهريسة" بكل تلك الجمالية والأهمية، يجب أن تؤدى بإتقان بحيث لا يسبق أو يتأخر عن الآخرين لا في الحركات ولا في الصرخة، فيبدو كل شيء وكأنه صادر عن رجل واحد.
شكرا اخي وصديقي السي نجيب على هذه المساهمة الجيدة وليس بغريب ان تصدر عنك وانت المولع بالفن واحد الورثة الشرعيين لعميد شيوخ احيدوس ببني يازغة المرحوم الشيخ كميني.اتمنى ان تثير من التفاعل والاغناء وحتى النقد ما يوازي الاسئللة واهمية القضايا التي تطرحها.
ردحذف