بني يازغة - نجيب اتريد اليازغي
ومن الأهمية بما كان أن يتم الانفتاح على إيقاعات أخرى مشابهة أو متقاربة من الإيقاع اليازغي، ثم إدخالها في الرقصة اليازغية قصد التنويع. فمثلا هناك إيقاع أمازيغي بمناطق الأطلس المتوسط قريب من إيقاع الحيدوس اليازغي، بل أكثر من ذلك، فهو أكثر خفة وحركية. هذا الإيقاع يمكن إضافته والاستفادة منه. ولنا في فرقة المرحوم الملقب بالمايسترو موحا والحسين خير أسوة. وهناك أيضا إيقاع آخر كان مستعملا عند اليازغيين سابقا يسمى: "الحاجية" وهو مشبه لإيقاع "الهيت" عند قبائل لحياينة وغياتة. يجب العودة لهذا الإيقاع والتركيز عليه مع الاستفادة من طريقة رقص فرق هذه القبائل. لقد تحدثت مرة مع أحد الممارسين وقلت له: "يجب تنويع إيقاعات الحيدوس" فأجابني: "التنويع الذي تتحدث عنه موجود عندنا منذ زمان، إذ نبدأ الحفل في أول الليل بالحيدوس، وفي آخر الليل نمر "للحجاية" ثم بعد ذلك نقيم طقس الحناء بالعيطة والصلاة على النبي" فأجبته على الشكل التالي: " صحيح هناك تنوع، لكنه غير كاف بالنسبة لعصرنا هذا لأن إيقاع الحاجية لم يعد موجودا، أما العيطة والصلاة على النبي فتقدم بالإنشاد فقط لا بالإيقاع ونحن هنا نتحدث عن رقص، ولا رقص بدون إيقاع. وإذا أردنا أن نقنع الجمهور المحلي أولا وبعده الوطني والعالمي، يجب أن نختزل كل هذه التنوعات مع تطعيمها بإضافات أخرى، ونقدم كل شيء في مدة قصيرة لا تتجاوز العشرين دقيقة عوض الليلة كلها لأن تلك هي المدة التي تخصص لكل فرقة تراثية في أي مهرجان أو سهرة عمومية في أي منطقة من مناطق المغرب أو العالم ويكون الجمهور بذلك قد استمتع بكل مكونات الرقصة في وقت وجيز"
أما عن الجانب الشعري، فتبرز أهميته في بنية قصيدة الحيدوس التي يمكن أن تخضع كذلك لبعض التغييرات. يجب أن لا تتعدى مدة إنشاد "الشيخ" خمس أو ست دقائق قبل بداية العرض ثم تعطى الانطلاقة للراقصين من أجل إمتاع الجمهور. لقد جرت العادة أن "الشيخ" أو "النظام" هو الذي يؤدي شعره حتى وإن لم يكن يتوفر على صوت جميل للأداء، فتكون النتيجة نفور المتلقي دون إدراك السبب. والحقيقة هي إن لم يكن الشيخ على مستوى الأداء من صوت جميل والقدرة على المحافظة على الإيقاع أثناء الأداء، فليعطي شعره لمنشد آخر تتوفر فيه كل الشروط.
وفي الماضي البعيد، كانت بنية القصيدة وتفعيلتها قصيرة كقول "الشيخ" مثلا:
أها يلي يوا
خليني نزور ونشوف غزالي
أيليي يوا
أهايلي يوا
واش بخير أو مجروح بحالي
أيلي يوا
وكقوله كذلك:
الزين وليدي
يا حمام الطوبي ريشو مزوق
الزين وليدي وا
الزين وليدي
يامنة تفاحة ماشي تدوق
الزين وليدي وا
إذا نظرنا إلى هذا البناء نجده مختلفا تماما عن البناء الذي أنتج فيما بعد، حيث أصبحت تفعيلة القصيدة طويلة ومعقدة شيءا ما كقول الشيخ:
أيا السايني غاب الخير يا النضامة
عزيونا فلحينا قضاوها الحجامة
المواكن الرومية ليل ونهار خدامة
لعدا سباب هلاكة تلفونا الهمة
في هذا المقطع نلاحظ بأن البناء معقد أكثر من سابقه، فهذا المقطع الذي يسمى "الردمة" بلغة الحيدوس، رباعي: بمعنى يتكون من أربعة أشطر تتشابه فيها القافية ولها نفس الروي ـ الميم ـ يصعب شيئا ما تقبله من طرف البعض وخصوصا الشباب منهم، لذلك ارتأيت بأن نظم الكلام على المنوال القديم حيث أن البناء بسيط والتفعيلة قصيرة يكون أفضل، لأن هذه الطريقة تدخل في غمار السهل الممتنع، تكون أكثر حلاوة وأكثر نغما.
وخلاصة القول أن التراث ضروري لكل الشعوب، فهو الأصل والمرجع لذلك يجب الاعتناء به وتحبيبه لكل الأجيال، وهذا لن يتأتى إلا بتحسينه وتطويره مع الاحتفاظ بالروح الأصلية فيه لكي لا تنفر منه الأجيال الصاعدة وتتقبله كما تتقبل ألوانا غنائية وتراثية أخرى.
تعليقات
إرسال تعليق